تاريخ كنيسة المطرية
فى أواخر القرن الرابع وبداية القرن الخامس عمل الآباء فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على بناء كنيسة بجوار شجرة مريم التى استظلت تحتها العذراء فى ضاحية المطرية.
الحجاج كانوا يزورون حي المطرية من القرن الرابع ويتباركون من الشجرة والبئر، وسميت المنطقة باسم “جنينه بلسم” ومساحتها كانت 7 أفدنة.
وفى كتاب أحد المؤرخين القدامى قال: “يبدو أن الرهبان سكنوا هذا المكان لخدمة هذه الكنيسة حيث الهدوء الذى كان يلف المكان وقربه من الصحراء فى العصور الأولى.. ولخدمة الشجرة وحديقة نباتات البلسم .. وابتنوا لهم مساكن وقلالى حولها”.. بدليل أن المنطقة التى هبطت فى الأرضية المجاورة للشجرة حديثا وبعد اجراء المعاينة الأثرية لها كشفت عن مبانٍ طينية تشبه قلالى ومنشوبيات للرهبان.
تاريخ كنيسة الذهب
أوضح المؤرخ أبو المكارم، في كتاباته عن الكنائس والأديرة، أن الكنيسة الأولي في هذا المكان التي ترجع للقرن الخامس، واشتهرت بإسم “كنيسة الذهب” ربما لكثرة النذور الذهبية المقدمة فيها، وقد هدمت هذه الكنيسة وأعيد بناؤها سنة 1154م عن طريق أحد الأراخنة.
ويخبرنا ابو المكارم أيضا عن تحول هذه الكنيسة إلي مسجد وقت الحروب الصليبية
وبعد هذه الأحداث صار المسيحيون يحضرون في عيد دخول المسيح لمصر (24بشنس – أول يونية) ليحتفلوا فوق البئر والحجر الذي جلس عليه السيد المسيح، وكانوا يحتفلون بالقداس الإلهي فوق البئر لتحول الكنيسة إلى مسجد.
وفى أواخر القرن الرابع عشر يشير الرحالة ايمانويل بيلوتى (1396 – 1438) إلى أن الكنيسة أقامت ما سمي بـ”مقصورة صغيرة للسيدة العذراء” حيث تقوم شجرة مريم.
وعند زيارة الرحالة ترافيزان للمنطقة سنة 1512 م لم يجد إلا كنيسة صغيرة عبارة عن منزل صغير أعيد بناؤه عدة مرات.
وفى القرن السابع عشر زار مصر الرحالة الفرنسى الأب فانسليب مرتين: الأولى عام 1664 م والثانية عام 72/1673 وكتب كتاباً عن كل زياراته، فقال عن هذه الكنيسة: ذهبت مع بعض الفرنسيين إلى قرية المطرية على مسافة ساعتين شرق القاهرة حيث توجد الأماكن التى زارها مخلصنا يسوع المسيح مع العذراء مريم والحديقة التى كانت تزرع سابقاً من نبات البلسان
عند دخولنا البستان، وعلى اليمين وجدنا فى الفناء مسجد صغير للأتراك ( يقصده المسلمين ) يسمى الآن ب”المقعد” ويقال أنه بُنى على أنقاض كنيسة صغيرة، ويوجد فى هذا المقعد حوض صغير من الرخام به الماء، من بئر عجيب.
واستمر الأمر معروفاً من القرن الثالث عشر أن المسجد المجاور لشجرة مريم هو كنيسة السيدة العذراء القديمة، وبالرغم من ذلك فإن القداسات لم تنقطع فى المنطقة خصوصاً فى عيد دخول السيد المسيح لمصر الموافق 24 بشنس من كل عام.
بداية اهتمام الإرساليات الأجنبية والكنيسة الكاثوليكية بالمطرية
ومع تزايد الإرساليات الاجنبية إلى مصر بدأ الرهبان الفرنسيسكان الاهتمام بهذا المكان منذ القرن السادس عشر وكانو يخدمون فى المنطقة المحيطة بشجرة السيدة العذراء وكانو يرسمون على ملابسهم الكهنوتية الخاصة بخدمة القداس، شجرة العذراء – إشارة لشجرة السيدة العذراء بالمطرية، حيث لم يذكر أى اهتمام من الناحية الدينية والخدمية بهذه المنطقة قبل هذه الفترة سوا اهتمام الكنيسة الأرثوزكسية فقط.
الأباء اليسوعيين
عن بداية خدمة الكنيسة الكاثوليكية بالمطرية، يقول الأب جورج سليمان عطية
راعى كنيسة العائلة المقدسة للأقباط الكاثوليك بالمطرية، لقد اهتم الأباء الجزويت بزيارة العائلة المقدسة لمنطقة المطرية، فقاموا بتشييد كنيسة لهم باسم “العائلة المقدسة” فى المطرية على قطعة أرض قام بشرائها الأب ميشيل جوليان اليسوعى عام 1883م وهو مدفون فى هذه الكنيسة .
وقد بدأ فى تشييد الكنيسة فى إبريل عام 1889م واستغرقت عملية البناء عامين ونصف وقد قام بتكريسها المطران جيدو كوربلى فى نوفمبر 1891 لتكون الكنيسة بشكلها الحالى حيث لم يطرأ عليها أي تغيير منذ ذلك التاريخ.
ومن المعروف أنه كانت قبل هذه الكنيسة بقايا لكنيسة قديمة كانت موجودة منذ القرن السادس عشر لم يسجل عنها اى كتابات، وتشير الوثائق لعام 1915م إلى أن أكثر من 3500 زائر يحجون لهذا المكان سنويا.
وسرعان ما بدأت هذه الكنيسة فى جذب عدد كبير من المؤمنين من مختلف المناطق فى مصر وخارجها حتى أن المسيحيين الأجانب من دول عديدة وارساليات مختلفة حينما كانوا يأتون للزيارة كانوا ينصبون الهياكل للصلاة والتقديس فى هذا المكان كل واحد بلغته وحسب طقسه وذلك لمجاورتها للبئر الذى أنبعه السيد المسيح ولحدائق البلسم علاوة على وجود شجرة مريم والتى استظلت تحتها العائلة المقدسة.
محمد علي باشا وأراضي الكنيسة
وكانت منطقة الكنيسة المطرية وشجرة مريم والمنطقة المحيطة حتى ميدان المطرية بمساحة سبعة أفدنة، كلها ملك للكنيسة – أملاك وقف – حيث كانت تعطىَ للكنيسة هبات وتبرعات، فكان محمد علي باشا محبا للإصلاح والنهضة ولتحقيق ذلك استعان بخبرات عديدة من الخارج أتت إلى مصر وجاء معها الرهبان لتقديم المساعدات والخدمات الطبية والصحية والتعليمية، لذلك كان محمد على يهبهم هذه الأراضى اعترافاً منه بدورهم الإصلاحى والخدمى ومساعدتهم فى إتمام أعمالهم.
وكانت الشجرة والبئر تابعين للكنيسة، ولكن بعد ثورة يوليو 1952 وأثناء فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، أخذ جزء كبير من أراضى الكنيسة لبناء مساكن شعبية عليها وهى الموجودة من ميدان المطرية وحتى شجرة مريم.. وتسبب ذلك لحدوث انفصال بين مكان الشجرة والبئر وبين كنيسة العائلة المقدسة، وظلت الكنيسة مع الأباء الفرنسيسكان.
المطرية.. زيارة هامة للحجاج الأفارقة
تتمتع كنيسة العائلة المقدسة بالمطرية بقدسية خاصة حيث كانت المحطة الاولى لبدء طريق الحج إلى القدس وحتى الأن يزورها الأفارقة فى بداية رحلتهم للقدس، فيبدئون بزيارة هذه الكنيسة ويقيمون بعمل صلاة قداس كبير بها وهم يرتدون ملابسهم البيضاء الناصعة ثم يزورون شجرة مريم وبعد ذلك ينتقلون إلى دير سانت كاترين، ثم يرتحلون من سيناء إلى القدس.
الكنيسة الكاثوليكية بالمطرية
كنيسة العائلة المقدسة بالمطرية التابعة لطائفة الكاثوليك، بنيت عام 1859، على يد مهندس إيطالى أبدع فيها لأنه جمع بين الديانات وبين الحضارات المتعاقبة على مصر، فنجد داخل الكنيسة المقوصات ونجمة داود، و6 لوحات جدارية تمثل رحلة العائلة المقدسة من أول مذبحة بيت لحم إلى أن وصلت أسيوط، وتم ترميم اللوحات عام 2016 واستغرقت الترميمات 16 شهرًا.. وبني مذبح عام 1901 على يد الأب ميشيل كاهن الكنيسة وقت ذاك.
مبنى الكنيسة مستطيل الشكل وسقفها محمول على الأرشات والبواكى ويوجد فى اخره من الناحية الشرقية المذبح وخلفه تمثال كبير للسيد المسيح المصلوب على الصليب وتمثال بالحجم الطبيعي للعائلة المقدسة، يظهر فيه القديس يوسف النجار والعذراء مريم والطفل يسوع.
ويوجد بالكنيسة شبابيك من الزجاج المعشق والملون لصور القديسين وأخرى لتشكيلات نباتيه وزهريه بألوان زاهية جميلة.
وعلى الجانبين فى الكنيسة من اليمين واليسار يوجد تمثالان من الرخام الأبيض موضوعان فى صحن الكنيسة لقديسين من قديسى الكنيسة الكاثوليكية، وفى منتصف الكنيسة وضع تمثالان حديثان يمينا ويسارا بالحجم الطبيعى للسيد المسيح والسيدة العذراء بجوار عمودين كبيرين.
شباك من الزجاج المعشق لأحد القديسين
وفى الخلف يوجد بهو كبير قبل أبواب الكنيسة يعلوه فرنطونة حجرية، يرتكز عليها أربعة أعمدة صغيرة بطول مترين لكل عمود تقريبا، يظهر من ورائهما ثلاثة شبابيك تعلو واجهة الكنيسة من الخارج، كما يوجد بعض الرسومات الجدارية الجصية فى جوانب الكنيسة لمشاهد من حياة السيد المسيح.
ويوجد أيضا بكنيسة العائلة المقدسة تمثال كبير للعائلة المقدسة موضوع أعلى واجهة الكنيسة من الداخل فى بهو مقام خصيصا له، في نفس المكان الذي يعرف ب “حضن الآب” فى الكنيسة الأرثوذكسية وتوجد خلفة اضاءة خافته تزيد قدسيته وبهاءه.
وتوجد نسخة من هذا التمثال موضوعة فى مدخل الكنيسة عند الباب الخارجى العمومى وسط حديقة صغيرة مملوءة بالورود والنباتات.
ترميم كنيسة العائلة المقدسة بالمطرية
أوضحت المهندسة دينا باخوم في بداية حديثها أن بداية الترميم في كنيسة العائلة المقدسة جاءت بحلم من الأب المتنيح “جاك ماسون” وهو من الأباء اليسوعيين، وكان له اهتمام خاص بأمور الثقافة والتراث، فلاحظ أن هذه الرسومات التي لها قيمة فنية عالية تحتاج إلى ترميم ، وعليه طلب مني زيارة الكنيسة ومعاينة حالة الرسومات.
قصة الرسومات الجدارية
أشارت المهندسة “دينا باخوم” أن الكنيسة تحتوي على ٦ رسومات زيتية على قماش، و يرجع تاريخها الي أوائل القرن ال٢٠، رسمها الرسام “أنطوان باربيه” (1859 – 1948) حيث ترك توقيعه على آخر لوحة بالكنيسة.
وتنقسم الرسومات إلى ثلاث من الجهة اليسرى وثلاث آخرين من الجهة اليمنى، وتحتوي ال٦ رسومات على رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر، فتأتي اللوحة الأولى من ناحية اليسار بإسم “مذبحة الأبرياء” والثانية “أمر المغادرة” والثالثة “الرحلة إلى مصر”
ومن الجهة اليمنى تاتي لوحة “التوقف عند حافة النيل”، ثم لوحة “شجرة العذراء بالمطرية”، ثم تنتهي بلوحة “الدخول إلى هيليوبليس”، وهي اللوحة التي تحمل توقيع الرسام.
ترميم الجداريات الستة
أول مرحلة كانت دراسة حالة الرسومات وتوثيقها فوتوغرافيًا عن طريق المصور الفوتوغرافي “متياش كتشيتشنيك”.
ثم جاءت عملية الترميم على عدة مراحل وكانت البداية في عام ٢٠١٦، فتم تكوين فريق عمل مكون من اخصائي الترميم الإيطالي “إريكو باينتنر” – الذي وضع خطة وتقنيات عملية الترميم، بالتعاون مع المهندسة دينا باخوم، ومعهم اخصائيا الترميم المصريين وهما اخصائي الترميم “عماد حنا” الذي شارك في المراحل الأولى من الترميم واخصائي الترميم “باسم زغلول” الذي شارك في جميع أعمال الترميم.
وبدأ التنفيذ الفعلي للترميم وكانت المرحلة الأولى وهي تثبيت الألوان والقشور المنفصلة عن الخلفيات، والمعرضة للفقدان. أما المرحلة الثانية كانت بإزالة الاتساخات التي تكونت عبر السنين الماضية على الرسومات، ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي استكمال الأجزاء الصغيرة المفقودة من الرسومات .
ومن التحديات التي واجهت فريق الترميم كانت عملية استكمال الرسومات التي تخص لوحة “مذبحة الأبرياء” حيث كان هناك جزء كبير من الرسم مفقوداً. وأوضحت المرممة دينا باخوم أن هناك مواثيق دولية تنص على أنه لا يجب استكمال الرسومات المفقودة في عملية الترميم؛ إن لم يكن هناك دليل للأصل لنسير على نهجه.. ولكن بفضل الأب جاك ماسون تم العثور على بعض السلبيات الزجاجية التي تحتوي على الصور الأصلية لتلك الرسومات، وعليه قام فريق الترميم بطبعها بمقياس ١ إلى ١ ، وبدأ الفريق في استكمال الجزء المفقود من الرسومات، ولكن باستخدام ألوان أخف من الألوان الأصلية لكي يستطيع أي شخص أن يميز بين الرسومات الأصلية والرسومات التي تم استكمالها.
وبهذا انتهى فريق الترميم من عملية ترميم الرسومات الجدارية داخل الكنيسة، واستكمل بعد ذلك الأب جورج سليمان المسئول عن الكنيسة ترميم واجهة الكنيسة مع فريق آخر. وافتتحت الكنيسة بعد الترميم في الأول من يونيه عام 2018
وفى جانبى الكنيسة الخلفى حجرتان للاعتراف والكنيسة لها منارة واحدة من الجهة الشمالية الغربية بها جرس كبير اثرى موضوع أعلى برجها. وفى جانبى الكنيسة الخلفى حجرتان للاعتراف، والكنيسة لها منارة واحدة من الجهة الشمالية الغربية بها جرس كبير اثرى موضوع اعلى برجها.
كنيسة “كابلا”
في نفس الأرض المقام عليها كنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية بالمطرية، يوجد كنيسة أخرى أثرية لاتينية صغيرة، من القرن السادس عشر، مبنية من الحجارة، وهى تتسع لعشرون فرد. وتعرف باسم “كابلا” ذات مبنى فريد يعلوها تمثال للسيدة العذراء وبعض التماثيل للملائكة لها باب واحد.
وأقام القاصد الرسولى برناردين اميكو معمودية وسطها، و تفتح يوم واحد فى السنة وهو الأول من نوفمبر من كل عام لعمل قداس ترحم لأرواح الآباء القديسين المدفونين بجوارها، حيث يأتى أقاربهم ومحبيهم لحضور هذا القداس.
وتحتوى “كابلا” على عدد من الأيقونات الأثرية وهى مبنية فوق صخرة كبيرة تعلو مغارة صخرية كبيرة كان يسكنها الرهبان قديما بجوار مدافن الآباء الرهبان الجزويت الذين خدموا بمصر منذ القرن السادس عشر والمدفونين بمقابر خلف كنيسة العائلة المقدسة لها سور و باب وحارس خاص بها.
شجرة العائلة المقدسة من شجرة مريم الأصلية بالمطرية
ويوجد ايضا داخل اسوار المدافن نسخة من شجرة العائلة المقدسة بحالة جيدة جدا داخل حديقة الكنيسة حيث اخذ الاباء الرهبان الفرنسيسكان فرع من شجرة مريم من الجيل الثالث وغرسوها بحديقة هذه الكنيسة ونمت وكبرت وازهرت وصارت شجرة ضخمة.