أحب الأحباش وعشقوا الأماكن التي عاش فيها السيد المسيح له المجد في فلسطين، كذلك في جبل قسقام في مصر التي اعتبروها أورشليم الثانية فانجذب الكثير منهم إلى ترك بلادهم والتوجه إلى هذه الأماكن ليحيوا فيها حياة النسك والزهد الرهبانية.
وتوجد إشارة تاريخية تبين أنهم كانوا في أواخر القرن الرابع في دير قسقام. والدير عموماً وكنيسته الأثرية خصوصاً لهما شأن عظيم بالنسبة لهم، وهم يجلُّون الدير ويحترمونه ويقدسونه ويهابونه حتى أن ترابه يعتبرونه بركة لأن السيد المسيح له المجد داسه باقدامه المقدسة وهو طفل وتعجز هنا الكلمات عن وصف مقدار تبجيلهم للدير وتمتلئ مخطوطاتهم المحفوظة في أديرتهم بالمعجزات العديدة التي صنعتها السيدة العذراء في دير قسقام.
ويقول العالم كونتى روسيّنى C. COUNTI ROSSIN أحد العلماء المتخصصين في دراسة المخطوطات الأثيوبية (في أوائل القرن العشرين الميلادي) إن مجتمع الأحباش الرهباني في دير قسقام في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين كان نشيطاً. وكان يتكون من حوالي ثلاثين بين راهب وقس وشماس، وكان هذا المجتمع الحبشي مشهوراً لدرجة أن الملك الحبشي صايفا أرادAYFA ARAD كرّمه بإرسال نسخة من الأناجيل على سبيل الهدية. ويذكر التاريخ أن اسم الراهب الذي كان في دير قسقام واستشهد أيام البابا متاؤس الكبير (1378 ـ 1408) هو أرسانيوس الحبشي وفى مخطوطات أخرى أرشليدس.
ويذكر أن من كثرة الأحباش في الدير لهم كنيستهم التي يقيمون فيها صلواتهم. وأقدم كنيسة عرفت هى كنيسة يوحنا المعمدان التي كانت مجاورة لكنيسة السيدة العذراء الأثرية. ولما أزيلت كنيسة القديس يوحنا المعمدان، وتوسعت الكنيسة الأثرية وبنيت الصالة الخارجية تم بناء كنيسة للأحباش فوقها في القرن 19 الميلادي حيث قد بلغ عددهم حوالي 40 راهباً إلا أنه في الثلاثينات من القرن العشرين أزيلت الكنيسة الحبشية خوفاً على مباني الكنيسة الأثرية …
ولقد قل الأحباش كثيرا بعد الحرب الإيطالية الحبشية (1936 ـ 1948 م) والاضطرابات المستمرة في جنوب السودان لأنهم كانوا يأتون من الحبشة إلى دير قسقام سيراً على الأقدام ويذكر رجال الكنيسة الحبشية أن أغلب مطارنتهم الذين كانت توفدهم إليهم أمهم الكنيسة القبطية كانوا يختارون من دير قسقام وهكذا … فإن دير قسقام لن يمحى من قلوبهم لأنهم أحبوه، ومازالوا حتى اليوم… وإلى نهاية الأزمان.
ومازال الأحباش لهم احتفال سنوي في دير المحرق بجبل قسقام، يوم 16 نوفمبر وهو عيد تكريس الكنيسة الأثرية بدير المحرق، وله طابع خاص حيث يحتشد الكثير من الأحباش، ويشهد الاحتفال دورة في كل أنحاء الدير تزف فيها الأيقونة الأثرية وخلفها الجميع يمسكون الشموع والطبول وسط الصلوات والتراتيل بالطريقة الحبشية لمديح السيدة العذراء مريم, ويختتم الاحتفال بصلاة القداس الإلهي.
وهذه الاحتفالية تقام خصيصا كل عام حيث يتوافد الأحباش من كل مكان في مصر ومن بلادهم ويقدمون صلواتهم ونذورهم ويشاركهم إخوتهم الأقباط في كل عام.